التفوق يرافق السوريين في بلدان الإغتراب






يمان الحمصي :

ظاهرة التفوق التي ترافق السوريين ليست ظاهرة عبثية، فتاريخ السوريين حافل بالأسماء الناصعة التي عرفها العالم شرقاً وغرباً.
وحالة التفوق هذه كانت تثمر في شتى المجالات وكان روّادها يتحولون إلى مبدعين ونقرأ أسماءهم في الصحف العربية والعالمية، أي خارج حدود الوطن غالباً.
فحالة التفوق في وطن مثل سوريا تحكمه عائلة فاسدة مستبدّة كان مآل الاسم المرافق لها إلى مصير يندرج في واحدة من هذه الحالات :
١. الحالة الأولى هي حالة الموت البطيء حيث تعمل منظومة الأسد البعثية المسيِّرة والمتحكّمة في كل مفاصل الدولة إلى فرض وظيفة لاتتناسب مع الحالة من حيث التخصص أو المقابل المادي أو البيئة المناسبة، وكثيرة هي الحالات التي تحوّل فيها الطبيب مثلاً لمجرّد موظف في دائرة حكومية لاعلاقة لها بالطب، وكذلك تكليف مهندس مدني مثلاً بتسيير قسم ما في دائرة مالية أو اقتصادية، أو أن يُعيَّن أستاذ مدرسة في مديرية للزراعة/قسم الجرارات.وهناك من الأمثلة الواقعية مالايسع ذكره في أسطر، لذلك سأنتقل إلى المقابل المادي، حيث كان المرتّب الذي يتقاضاه صاحب أعلى رتبة علمية في سوريا في جامعة ما لا يتجاوز ٦٠٠٠ ليرة سورية في زمن الأسد الأب و ٢٠٠٠٠ ليرة سورية في زمن الاسد الابن وهو مايعادل تقريباً ٣٠٠$، وهو مقابل رديء جداً مقارنة بالمرتبات التي يمكن أن يتقاضاها مثل هؤلاء النخب في دول الجوار على الأقل. لذلك كانت دول الخليج مثلاً مقصد الكثيرين دون تردد. أما البيئة المناسبة فكانت سوريا من بين البلدان التي يجب على كوادرها أن تعاني البعد عن الأهل والبيت لتقدّم خمس سنوات على الأقل في أماكن بعيدة جداً. وكانت الحجة في ذلك هي إنعاش المناطق الفقيرة التي يحقق فيها الجهل والفقر نسباً عالية (وفقاً للنظام).
٢. الحالة الثانية هي حالة الوأد السريع التي ترافق العقل الناطق، ومصطلح العقل الناطق هو كناية عن المتفوّق الذي يشعر بالظلم الذي يطاله وجميع أقرانه ولكنه في حين صمتهم واستسلامهم للأمر الواقع يبدأ بالنقد واستشعار الفساد الإداري والمحسوبيات ويقرر عدم السكوت، لتطاله القبضة الأمنية ويتم تأديبه عن طريق الإهانة والتخويف، وقد يتجاوز الأمر ذلك حتى يبلغ اتهامات بالخيانة وإضعاف الشعور الوطني والنيل من هيبة الدولة، وهنا سيكون مصيره السجن والحرمان من الشهادة الحاصل عليها أحياناً، وإن أسعفه الحظ وحظي بواسطة ما أو استطاع رشوة أحدهم بمبلغ ضخم فإنه سيستطيع الهروب خارج سوريا تحت جنح الليل وربما بطريقة غير نظامية /تهريب/..
٣. أما الحالة الثالثة فهي حالات الاغتيال التي قد تطال الفارّين خارج البلاد وقد صدرت بحقّهم مذكّرات توقيف بتهم باطلة ولكن عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد فقط لأنهم وصّفوا للعالم حالة الاستبداد الأمني والفساد الحكومي وتهميش النظام للكفاءات والعمل على إغراق البلاد بالفقر والجهل رغم غناها بالموار البشرية والطبيعية.

أمام هذه الحالات يظهر للقارئ انعدام البيئة الآمنة للإبداع التي سترافق انخراط المتفوقين في شتّى نوافذ الحياة العلمية والمهنية وفي كافة التخصصات التي افتقرنا إليها بسبب تهجير الأدمغة أو تغييبها أو تطويعها.

البارحة قرأت عن عدد من الطلاب السوريين المتفوقين في أوروبا ودول عربية، وأتمنى لهؤلاء الطلبة أن يستطيعوا تسخير تفوقهم وشحذ طاقاتهم وتطوير أدواتهم حتى تكون لهم القدرة على رفد البشرية جمعاء في ميادين العلم والعمل وتصحيح بوصلة العالم ونافذتهم على الشعب السوري المضّطهد والمظلوم منذ خمسين عاماً حين آل حكم سوريا لحافظ أسد بعد انقلاب عسكري بعثي.

والبارحة أيضاً شاهدت شموع وطني في تركيا وهم يعقدون مؤتمرهم الأول لاتحاد طلبة سوريا الأحرار. فرحت لأن مثل هذا الاتحاد وجد بيئة خصبة وظروف ملائمة ولو في حدودها الدنيا، واستطاعوا رغم التهجير والفقر من التجمّع والإعلان عن ثمرة ماكان لها لتنبت في وطني الذي ابتلعه نظام الأسد. وفرحت لأنني رأيت شعاع أمل في جيل لم يرمِ جراح وطنه وشعبه ولم ينكسر أمام الموت والدمار والظلم، وأعوّل على هذا الجيل في النهوض بسوريا بعيداً عن حقد النظام الحالي وبعيداً عن الفساد والفاسدين.
مجرّد التفكير في اتحاد طلبة بسوريا كان ممنوعاً مالم يكن تابعاً لحزب البعث أو بالأصح مالم يكن تمثيلية لاحتواء الطلاب من قبل هذا الحزب البغيض. ومن واجب طلابنا الأحرار أن يحافظوا على هذا القدر من التنظيم والمواكبة للتطور العلمي والأهم الوفاء لتضحيات الشعب السوري، ليعودوا به إلى بلادهم ذات يوم حين تتحقق لهم مقومات العودة.
وهنا أريد أن أنوّه أن اغتيال الأدمغة وتهجيرها ووأد المبادرات المساهمة في تطوير الإنسان السوري والتي تصبّ في تطوير البشرية جمعاء سيبقى مستمراً في وطني الجريح مع بقاء هذا النظام الذي يصوّر حالة التضاد الوجودي بين بقائه في الحكم وبالتالي انعدام البيئة الآمنة وبين رحيله وتفكيك منظومته الأمنية ورفع الظلم عن الناس التي قد تكون النواة الأولى لعودة طوعية وآمنة وكريمة للجميع.

نحن نؤمن بالعدالة ولكن العالم مازال يثبت لنا أن القائمين على استعراضها أو تحقيقها للنهوض بالبشرية مازالوا يتمسّكون بالأقوى وليس بصاحب الحق.
كرامتنا حقّ تكفله لنا الشرائع السماوية، وتنادي به قوانين هذا العالم أجمع على الأقل في الاجتماعات وأمام الشاشات.

ونحن سنكافح من أجل هذا الحق والعدل والكرامة ولن نكتفي بالمطالبة مابقي في عروقنا رمق حياة..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حلاوة الجبن ... حمصية أم حموية ...!!

تخريب مسجد سعد بن أبي وقاص في مدينة "تلبيسة" شمالي حمص

أمل اللقاء بدده "قيصر"